فصل: تفسير الآيات (21- 23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أحمد وهناد بن السري والطبراني وابن مردويه والضياء، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتين».
{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18)}.
أخرج ابن المنذر، عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: لا تقوم الساعة حتى يتمناها المتمنون، فقيل له {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها} قال: إنما يتمنونها خشية على إيمانهم.
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)}.
أخرج ابن المنذر، عن ابن عباس في قوله: {من كان يريد حرث الآخرة} قال: عيش الآخرة، {نزد له في حرثه} {ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها} الآية قال: من يؤثر دنياه على آخرته، لم يجعل له نصيبًا في الآخرة إلا النار، ولم يزدد بذلك من الدنيا شيئًا، إلا رزقًا قد فرغ منه وقسم له.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير، عن قتادة {من كان يريد حرث الآخرة} قال: من كان يريد عيش الآخرة نزد له في حرثه {ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} قال: من يؤثر دنياه على آخرته لم يجعل الله له نصيبًا في الآخرة إلا النار، ولم يزدد بذلك من الدنيا شيئًا، إلا رزقًا قد فرغ منه وقُسِمَ له.
وأخرج ابن مردويه من طريق قتادة، عن أنس- رضي الله عنه- {ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} قال: نزلت في اليهود.
وأخرج أحمد والحاكم وصححه وابن مردويه وابن حبان، عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، ما لم يطلبوا الدنيا بعمل الآخرة، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب».
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه} الآية. ثم قال: يقول الله: «ابن آدم تفرغ لعبادتي، أملأ صدرك غنى، وأسُدُّ فقرك، وإلا تفعل، ملأت صدرك شغلًا، ولم أسدّ فقرك».
وأخرج الحاكم وصححه، عن ابن عمر- رضي الله عنهما- مرفوعًا «من جعل الهم همًا واحدًا اكفاه الله هم دنياه. ومن تشعبته الهموم لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك».
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر، عن علي- رضي الله عنه- قال: الحرث حرثان، فحرث الدنيا المال والبنون، وحرث الآخرة، الباقيات الصالحات.
وأخرج ابن المبارك، عن مرة- رضي الله عنه- قال: ذكر عند عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قوم قتلوا في سبيل الله، فقال: إنه ليس على ما تذهبون وترون، إنه إذا التقى الزحقان، نزلت الملائكة، فكتبت الناس على منازلهم، فلان يقاتل للدنيا، وفلان يقاتل للملك، وفلان يقاتل للذكر، ونحو هذا، وفلان يقاتل يريد وجه الله، فمن قتل يريد وجه الله، فذلك في الجنة.
وأخرج ابن النجار في تاريخه، عن رزين بن حصين- رضي الله عنه- قال: قرأت القرآن من أوله إلى آخره على علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فلما بلغت الحواميم، قال لي: قد بلغت عرائس القرآن، فلما بلغت اثنتين وعشرين آية من {حمعاساقا} بكى ثم قال: اللهم إني أسألك اخبات المخبتين، وخلاص الموقنين، ومرافقة الأبرار، واستحقاق حقائق الإِيمان، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، ورجوت رحمتك والفوز بالجنة والنجاة من النار، ثم قال: يا رزين، إذا ختمت فادع بهذه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن. اهـ.

.تفسير الآيات (21- 23):

قوله تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تقرر ما شرع من الدين مما وصى به جميع النبيين فبانت أصوله، واتضحت فروعه وفصوله، وظهرت غرائبه وأشرقت فرائده وآياته، وختم بالقانون الأعظم في أمر الدارين مما هو مشاهد ولا يقدر عليه غيره، فكان التقدير من غير خفاء: هذا شرع الله الذي ارتضاه لعباده وحكم بأن الإقبال عليه غير ضار بطلب الرزق وقدر الأرزاق فلا قدرة لأحد أن يزيد في رزقه شيئاً، ولا أن ينقص منه شيئاً، أقبلوه؟ عادل ذلك بقوله تعالى مقرراً موبخاً منبهاً على ما هو الأصل في الضلال عن قوانينه المحررة وشرائعه الثابتة المقررة: {أم لهم} أي لهؤلاء الذين يروغون يميناً وشمالاً {شركاء} على زعمهم شاركوا الشارع الذي مضى بيان عزته وظهور جلاله وعظمته في أمره حتى {شرعوا} أي الشركاء الذين طرقوا ونهجوا {لهم} أي للكفار، ويجوز أن يكون المعنى: شرع الكفار لشركائهم {من الدين} في العبادات والعادات التي تقرر في الأذهان أنه لابد من الجزاء عليها لما جرت به عوائدهم عن محاسبة من تحت أيديهم وقدروا لهم من الأرزاق، وعدل عن أسلوب العظمة إلى الاسم الأعظم إشارة إلى ما فيه مع العظمة من الإكرام الذي من جملته الحلم المقتضي لعدم معاجلتهم بالأخذ فقال تعالى: {ما لم يأذن به الله} أي يمكن العباد منه بأمرهم به وتقريرهم عليه الملك الذي لا أمر لأحد معه، وقد محقت صفاته كل صفة وتضاءل عندها كل عظمة، فأقبلوا عليه دون غيره لكونه معتداً به، فإن كان كذلك فليسعدوا من أقبل على الدنيا التي هي محط أمرهم فلا يعرفون غيرها بأن يعطوه جميع مراده ويشقوا من أراد الآخرة وسعى لها سعيها، ونسب الشرع إلى الأوثان لأنها سببه كما كانت سبب الضلال في قوله سبحانه وتعالى حكاية عن إبراهيم خليله عليه الصلاة والسلام {رب إنهن أضللن كثيراً من الناس} ويضاف الشركاء إليهم تارة لأنهم متخذوها وتارة إلى الله تعالى لأنهم أشركوهم به، والعبارة تأتي بحسب المقام.
ولما علم قطعاً أن التقدير: فلولا أن هذه الأفعال التي يفعلونها من غير إذن منه لا تنقص من ملكه سبحانه شيئاً، ولا تضر إلا فاعلها مع أنها بإرادته، فكانت لمنعهم عنها لم يصلوا إلى شيء منها، عطف عليه قوله تعالى: {ولولا كلمة الفصل} التي سبق في الأزل أنها لا تكون ولما كان أمرهم هيناً، بني الفعل للمفعول، فقال: {لقُضي بينهم} أي بين الذين امتثلوا أمره فالتزموا شرعه وبين الذين اتبعوا ما شرعوه لمن سموهم شركاء في أقرب وقت ولكنه قد سبق القضاء في أزل الأزل بمقادير الأشياء وتحديدها على وجوه الحكمة، فهي تجري على ما حد لها لا تقدم لشيء منها ولا تأخر ولا تبدل ولا تغير، وستنكشف لكم الأمور وتظهر مخبآت المقدور فلا يقع الفصل إلا في الآخرة كما سبق به القضاء بأن يكون للمقسطين نعيم مقيم.
ولما كانوا ينكرون أن يقع بهم عذاب، قال مؤكداً عطفاً على ما قدرته بما أرشد إليه السياق: {وإن الظالمين} بشرع ما لم يأذن به الله من الشرك وغيره {لهم عذاب أليم} أي مؤلم بليغ إيلامه.
ولما علم من هذا السياق كما ترى أنه لابد من الفصل، وأن الفصل لا يكون إلا يوم القيامة، قال شارحاً للفصل بين الفريقين في ذلك اليوم مقبلاً على خطاب أعلى الخلق إشارة إلى أن هذا لا يفهمه حق الفهم ويوقن به حق الإيقان غيره- صلى الله عليه وسلم-، أو يكون المراد كل من يصح أن يخاطب إشارة إلى أن الأمر في الوضوح بحيث لا يختص به أحد دون أحد فقال: {ترى} أي في ذلك اليوم لا يشك فيه عاقل لما له من الأدلة الفطرية الأولية والعقلية والنقلية {الظالمين} أي الواضعين الأشياء في غير مواضعها {مشفقين} أي خائفين أشد الخوف كما هو حال من يحاسبه من هو أعلى منه وهو مقصر.
ولما كان الكلام في الذين ظلمهم صفة راسخة لهم، كان من المعلوم أن كل عملهم عليهم، فلذلك عبر بفعل الكسب مجرداً فقال: {مما كسبوا} أي عملوا معتقدين لأنه غاية ما ينفعهم {وهو} أي جزاءه ووباله الذي هو من جنسه حتى كأنه هو {واقع بهم} لا محالة من غير أن يزيدهم خوفهم إلا عذاباً في غمرات النيران، ذلك هو الخسران المبين، ذلك الذي ينذر به الذين ظلموا {والذين آمنوا} يصح أن يكون معطوفاً على مفعول {ترى} وأن يكون معطوفاً على جميع الجملة فيكون مبتدأ {وعملوا الصالحات} وهي التي أذن الله فيها غير خائفين مما كسبوا لأنهم مأذون لهم في فعله وهو مغفور لهم ما فرطوا فيه {في روضات الجنات} أي في الدنيا بما يلذذهم الله به من لذائد الأقوال والأعمال والمعارف والأحوال، وفي الآخرة حقيقة بلا زوال {لهم ما يشاؤون} أي دائماً أبداً كائن ذلك لكونه في غاية الحفظ والتربية والتنبيه على مثل هذا الحفظ لفت إلى صفة الإحسان، فقال: {عند ربهم} أي الذي لم يوصلهم إلى هذا الثواب العظيم إلا حسن تربيته لهم، ولطف بره بهم على حسب ما رباهم.
ولما ذكر ما لهم من الجزاء عظمه فقال: {ذلك} أي الجزاء العظيم الرتبة الجليل القدر {هو} لا غيره {الفضل} أي الذي هو أهل لأن يكون فاضلاً عن كفاية صاحبه، ولو بالغ في الإنفاق {الكبير} الذي ملأ جميع جهات الحاجة وصغر عنده كل ما ناله غيرهم من هذا الحطام، فالآية كما ترى من الاحتباك: أثبت الإشفاق أولاً دليلاً على حذف الأمن ثانياً، والجنات ثانياً دليلاً على حذف النيران أولاً.
ولما ذكر محلهم ومآلهم فيه، بين دوامه زيادة في تعظيمه فقال مبتدئاً: {ذلك} أي الأمر العظيم من الجنة ونعيمها، وأخبر عن المبتدأ بقوله: {الذي يبشر} أي مطلق بشارة عند من خفف وبشارة كثيرة عند من ثقل، وزاد البشارة بالاسم الأعظم، فقال لافتاً القول إليه: {الله} أي الملك الأعظم والعائد وهو به محذوف تفخيماً للمبشر به لأن السياق لتعظيمه بالبشارة وبجعلها بأداة البعد وبالوصف بالذي، وذكر الاسم الأعظم والتعبير بلفظ العباد مع الإضافة إلى ضميره سبحانه فأفهم حذفه أن الفعل واقع عليه واصل بغير واسطة إليه، فصار كأنه مذكور وظاهر ومنظور فقال: {عباده} ومن المعلوم أن كل أحد يعظم من اختصه لعبوديته.
ولما أشعر بالإضافة لصلاحهم، نص عليه بقوله: {الذين آمنوا} أي صدقوا بالغيب {وعملوا} تحقيقاً لإيمانهم {الصالحات} وذلك الذي مضى قلبه الذي ينذر به الذين كفروا.
ولما كانت العادة جارية بأن البشير لابد له من حياء وإن لم يسأل لأن بشارته قائمة مقام السؤال، قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-: لما أذن الله بتوبته علينا ركض نحوي راكض على فرس وسعى ساع على رجليه، فأوفى على جبل سلع ونادى: يا كعب بن مالك أبشر، فقد تاب الله عليك، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته خلعت له ثوبي، فدفعتهما إليه، والله ما أملك يومئذ غيرهما، واستعرت ثوبين فلبستهما- إلى آخر حديثه، كان كأنه قيل: ماذا تطلب على هذه البشارة، فأمر بالجواب بقوله: {قل} أي لمن توهم فيك ما جرت به عادة المبشرين: {لا أسئلكم} أي الآن ولا في مستقبل الزمان {عليه} أي البلاغ بشارة ونذارة {أجراً} أي وإن قل {إلا} أي لكن أسألكم {المودة} أي المحبة العظيمة الواسعة.
ولما كانوا يثابرون على صلة الأرحام وإن بعدت والأنساب لذلك قال: {في القربى} أي مظروفة فيها بحيث يكون القربى موضعاً للمودة وظرفاً لها، لا يخرج شيء من محبتكم عنها، فإنها بها يتم أمر الدين ويكمل الاجتماع فيه، فإنكم إذا وصلتم ما بيني وبينكم من الرحم لم تكذبوني بالباطل، ولم تردوا ما جئتكم به من سعادة الدارين، فأفلحتم كل الفلاح ودامت الألفة بيننا حتى نموت ثم ندخل الجنة فتستمر ألفتنا دائماً أبدا وقد شمل ذلك جميع القرابات ولم يكن بطن من قريش إلا وله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، رواه البخاري عن ابن عباس- رضي الله عنهما- وقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة، وروى البخاري عن سعيد بن جبير: إلا أن تؤدوني في قرابتي أي تبروهم وتحسنوا إليهم، قال ابن كثير: وقال السدي: لما جيء بعلي بن الحسين أسيراً فأقيم على درج دمشق قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة، فقال له علي: أقرأت القرآن؟ قال: نعم قال: ما قرأت {قلا لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى} قال: وإنكم لأنتم هم، قال: نعم.
وعن العباس- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! إن قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوهم ببشر حسن وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباَ شديداً وقال: «والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله»، وعنه أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا لنخرج فنرى قريشاً تحدث، فإذا رأونا سكتوا، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودر عرق بين عينيه، ثم قال: «والله لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي» وعبر في المنقطع بأداة الاستثناء إعراقاً في النفي بالإعلام بأنه لا يستثني أجر أصلاً إلا هذه المودة إن قدر أحد أنها تكون أجراً، ويجوز أن تكون إلا بمعنى غير فيكون من باب:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهن فلول من قراع الكتائب

فمن كان بينه وبين أحد من المسلمين قرابة فهو مسئول أن يراقب الله في قرابته تلك، فيصل صاحبها بكل ما تصل قدرته إليه من جميع ما أمره الله به من ثواب أو عقاب، فكيف بقرابة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن أبي ذر- رضي الله عنه-: «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح عليه الصلاة والسلام، من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها هلك» وقال فيما رواه في الفردوس عن ابن عباس- رضي الله عنهما-: «أصحابي بمنزلة النجوم في السماء بأيهم اقتديتم اهتديتم» قال الأصبهاني: ونحن الآن في بحر التكليف محتاجون إلى السفينة الصحيحة والنجوم الزارهة، فالسفينة حب الآل، والنجوم حب الصحب، فنرجو من الله السلامة والسعادة بحبهم في الدنيا والآخرة- والله أعلم.
ولما كان التقدير حتماً: فمن يقترف سيئة فعليه وزرها، ولكنه طوى لأن المقام للبشارة كما يدل عليه ختم الآية مع سابقه، عطف عليه قوله: {ومن يقترف} أي يكسب ويخالط ويعمل بجد واجتهاد وتعمد وعلاج {حسنة} أي ولو صغرت، وصرف القول إلى مظهر العظمة إشارة إلى أنه لا يزيد في الإحسان إلا العظماء، وإلى أن الإحسان قد يكون سبباً لعظمة المحسن فقال: {نزد} على عظمتنا {له فيها حسناً} بما لا يدخل تحت الوهم، ومن الزيادة أن يكون له مثل أجر من اقتدي به فيها إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً، وهذا من أجر الرسل على إبلاغه إلى الأمم، فهم أغنياء عن طلب غيره- هذا إن اهتدوا به، وإن دعاهم فلم يهتدوا كان له مثل أجورهم لو اهتدوا، فإن عدم اهتدائهم ليس من تقصيره، بل قدر الله وما شاء فعل.
ولما كانوا يقولون: إنا قد ارتكبنا من المساوئ ما لم ينفع معه شيء، قال نافياً لذلك على سبيل التأكيد معللاً مبيناً بصرف القول إلى الاسم الأعظم أن مثل ذلك لا يقدر عليه ملك غيره على الإطلاق: {إن الله} أي الذي لا يتعاظمه شيء {غفور} لكل ذنب تاب منه صاحبه أو كان يقبل الغفران وإن لم يتب منه إن شاء، فلا يصدن أحداً سيئة عملها عن الإقبال على الحسنة.
ولما كان إثبات الحسنة فضلاً عن الزياة عليها لا يصح إلا مع الغفران، ولا يمكن أن يكون مع المناقشة، فذكر ذلك الوصف الذي هو أساس الزيادة، أفادها- أي الزيادة- بقوله: {شكور} فهو يجزي بالحسنة أضعافها ويترك سائر حقوقه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

واعلم أن الله تعالى لما بيّن القانون الأعظم والقسطاس الأقوم في أعمال الآخرة والدنيا أردفه بالتنبيه على ما هو الأصل في باب الضلالة والشقاوة فقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله} ومعنى الهمزة في أم التقرير والتقريع و{شُرَكَاؤُهُمْ} شياطينهم الذين زينوا الشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا لأنهم يعلمون غيرها، وقيل {شُرَكَاؤُهُمْ} أوثانهم، وإنما أضيفت إليهم لأنهم هم الذين اتخذوها شركاء لله، ولما كان سبباً لضلالتهم جعلت شارعة لدين الضلالة كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس} [إبراهيم: 36] وقوله {شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله} يعني أن تلك الشرائع بأسرها على ضدين لله، ثم قال: {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل} أي القضاء السابق بتأخير الجزاء، أو يقال ولولا الوعد بأن الفصل أن يكون يوم القيمة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي بين الكافرين والمؤمنين أو بين المشركين وشركائهم {وَإِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقرأ بعضهم، وأن بفتح الهمزة في أن عطفاً له على كلمة الفصل يعني {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل} وأن تقريره تعذيب الظالمين في الآخرة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} في الدنيا ثم إنه تعالى ذكر أحوال أهل العقاب وأحوال أهل الثواب الأول: فهو قوله {تَرَى الظالمين مُشْفِقِينَ} خائفين خوفاً شديداً {مِمَّا كَسَبُواْ} من السيئات {وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} يريد أن وباله واقع بهم سواء أشفقوا أو لم يشفقوا، أما الثاني: فهو أحوال أهل الثواب وهو قوله تعالى: {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي روضات الجنات} لأن روضة الجنة أطيب بقعة فيها، وفي الآية تنبيه على أن الفساق من أهل الصلاة كلهم في الجنة، إلا أنه خص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بروضات الجنات، وهي البقاع الشريفة من الجنة، فالبقاع التي دون تلك الروضات لابد وأن تكون مخصوصة بمن كان دون أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم قال: {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبّهِمْ} وهذا يدل على أن كل الأشياء حاضرة عنده مهيأة، ثم قال تعالى في تعظيم هذه الدرجة {ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير} وأصحابنا استدلوا بهذه الآية على أن الثواب غير واجب على الله، وإنما يحصل بطريق الفضل من الله تعالى لأنه تعالى قال: {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي روضات الجنات لَهُمْ مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبّهِمْ} فهذا يدل على أن روضات الجنات ووجدان كل ما يريدونه إنما كان جزاءً.